فكتب حذيفة إلى أبي بكر بأمرهم . فاغتاظ غيظا شديدا ، وقال " من لهؤلاء ؟ ويل لهم " .
ثم بعث إليهم عكرمة بن أبي جهل - وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد استعمله على سفلي بني عامر بن صعصعة مصدقا - فلما بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وسلم انحاز إلى تبالة في أناس من العرب ، ثبتوا على الإسلام . وكان مقيما بتبالة في أرض كعب بن ربيعة .
فجاءه كتاب أبي بكر : " سر فيمن قبلك من المسلمين إلى أهل دبا " .
فسار عكرمة في نحو ألفين من المسلمين . وكان رأس أهل الردة : لقيط بن مالك الأزدي فلما بلغه مسير عكرمة ، بعث ألف رجل من الأزد يلقونه . وبلغ عكرمة : أنهم جموع كثيرة . فبعث طليعة . وكان للعدو أيضا طليعة . فالتقت الطليعتان . فتناوشوا ساعة ثم انكشف أصحاب لقيط . وقتل منهم نحو مائة رجل . وبعث أصحاب عكرمة فارسا بخبره . فأسرع عكرمة حتى لحق طليعته . ثم زحفوا جميعا . وسار على تعبئة حتى أدرك القوم . فاقتتلوا ساعة . ثم هزمهم عكرمة ، وأكثر فيهم القتل . ورجع فلهم إلى لقيط بن مالك ، فأخبروه أن عكرمة مقبل .
- ص 295 - فقوي جانب حذيفة ومن معه من المسلمين فناهضهم . وجاء عكرمة . فقاتل معهم . فانهزم العدو حتى دخلوا مدينة دبا . فحصرهم المسلمون شهرا . وشق عليهم الحصار إذ لم يكونوا قد أخذوا له أهبة .
فأرسلوا إلى حذيفة . يسألونه الصلح . فقال : لا ، إلا بين حرب مجلية أو سلم مخزية . قالوا : أما الحرب المجلية ، فقد عرفناها ، فما السلم المخزية ؟ قال : تشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ، وأن كل ما أخذناه منكم فهو لنا ، وما أخذتموه فهو رد لنا . وأنا على حق وأنتم على باطل وكفر ، ونحكم فيكم بما رأينا . فأقروا بذلك .
فقال : اخرجوا عزلا ، لا سلاح معكم ففعلوا . فدخل المسلمون حصنهم . فقال حذيفة : إني قد حكمت فيكم ، أن أقتل أشرافكم وأسبي ذراريكم .
فقتل من أشرافهم مائة رجل وسبى ذراريهم .
وقدم حذيفة بسبيهم المدينة . وهم ثلاثمائة من المقاتلة وأربعمائة من الذرية والنساء .
وأقام عكرمة بدبا عاملا عليها لأبي بكر .
فلما قدم حذيفة بسبيهم أنزلهم أبو بكر رضي الله عنه دار رملة بنت الحارث ، وهو يريد أن يقتل من بقي من المقاتلة . والقوم يقولون : والله ما رجعنا عن الإسلام ولكن شححنا على أموالنا ، فيأبى أبو بكر أن يدعهم بهذا القول . وكلمه فيهم عمر . وكان الرأي أن لا يسبوا .
فلم يزالوا موقوفين في دار رملة حتى مات أبو بكر . فدعاهم عمر ،
- ص 296 - فقال : انطلقوا إلى أي بلاد شئتم . فأنتم قوم أحرار .
فخرجوا حتى نزلوا البصرة .
وكان فيهم أبو صفرة - والد الملهب - وهو غلام يومئذ .
ولما قدم غزو أهل دبا أعطاهم أبو بكر خمسة دنانير خمسة دنانير .