خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاجا، فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه أوجب في مجلسه، فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه قوم فحفظوا عنه، ثم ركب، فلما استقلت به ناقته أهل ، وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالا فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل، فقالوا: إنما أهل رسول الله حين استقلت به ناقته.
ثم مضى رسول الله، فلما علا شرف البيداء أهل، وأدرك ذلك منه أقوام فقالوا: إنما أهل رسول الله حين علا شرف البيداء، وأيم الله لقد أوجب في مصلاه، وأهل حين استقلت به ناقته، وأهل حين علا شرف البيداء.
فمن أخذ بقول عبد الله بن عباس أهل في مصلاه إذا فرغ من ركعتيه.
وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة، عن عبد السلام بن حرب،
عن خصيف به نحوه
.
وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرف أحدا رواه غير عبد السلام. كذا قال، وقد تقدم رواية الإمام أحمد له من طريق محمد بن إسحاق عنه- وكذلك رواه الحافظ البيهقي
عن الحاكم عن القطيعي، عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه ثم قال: خصيف الجزري غير قوي، وقد رواه الواقدي بإسناد له عن ابن عباس. قال البيهقي: إلا أنه لا ينفع متابعة الواقدي، والأحاديث التي وردت في ذلك عن ابن عمر وغيره مسانيدها قوية ثابتة والله تعالى أعلم
.
قلت: فلو صح هذا الحديث لكان فيه جمع لما بين الأحاديث من الاختلاف وبسط لعذر من نقل خلاف الواقع، ولكن في إسناده ضعف، ثم قد روي عن ابن عباس وابن عمر خلاف ما تقدم عنهما كما سننبه عليه ونبينه.
وهكذا ذكر من قال: إنه عليه السلام أهل حين استوت به راحلته.
قال البخاري
حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا هشام بن يوسف، أنبأنا ابن جريج، حدثني محمد بن المنكدر، عن أنس بن مالك، قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين، ثم بات حتى أصبح بذي الحليفة، فلما ركب راحلته واستوت به أهل.
وقد رواه البخاري ومسلم وأهل السنن من طرق عن محمد بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة، عن أنس
.
وثبت في الصحيحين
من حديث مالك، عن سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج، عن ابن عمر قال:
وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله يهل حتى تنبعث به راحلته .
وأخرجا في الصحيحين
من رواية ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، عن سالم عن أبيه، أن رسول الله كان يركب راحلته بذي الحليفة ثم يهل حين تستوي به قائمة.
وقال البخاري: باب من أهل حين استوت به راحلته:
حدثتا أبو عاصم، حدثنا ابن جريج، أخبرني صالح بن كيسان، عن نافع، عن ابن عمر، قال: أهل النبي -صلى الله عليه وسلم- حين استوت به راحلته قائمة
.
وقد رواه مسلم والنسائي من حديث ابن جريج به
.
وقال مسلم
حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا علي بن مسهر، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا وضع رجله في الغرز
وانبعثت به راحلته قائمة أهل من ذي الحليفة.
انفرد به مسلم من هذا الوجه، وأخرجاه من وجه آخر عن عبيد الله بن عمر، عن نافع عنه
، ثم قال البخاري: باب الإهلال مستقبل القبلة:
قال أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن نافع، قال: كان ابن عمر إذا صلى الغداة بذي الحليفة أمر براحلته فرحلت ثم ركب، فإذا استوت به استقبل القبلة قائما ثم يلبي حتى يبلغ المحرم، ثم يمسك، حتى إذا جاء ذا طوى
بات به حتى يصبح، فإذا صلى الغداة اغتسل، وزعم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك.
ثم قال: تابعه إسماعيل، عن أيوب في الغسل
.
وقد علق البخاري أيضا هذا الحديث في كتاب الحج، عن محمد بن عيسى
عن حماد بن زيد، وأسنده فيه عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، عن إسماعيل، وهو ابن علية.
ورواه مسلم
عن زهير بن حرب، عن إسماعيل، وعن أبي الربيع الزهراني وغيره، عن حماد بن زيد، ثلاثتهم عن أيوب ابن
أبي تميمة السختياني به. ورواه أبو داود
عن أحمد بن حنبل، عن إسماعيل ابن علية به.
ثم قال البخاري
حدثنا سليمان أبو الربيع، حدثنا فليح، عن نافع، قال: كان ابن عمر إذا أراد الخروج إلى مكة ادهن بدهن ليس له رائحة طيبة، ثم يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي ثم يركب، فإذا استوت به راحلته قائمة أحرم، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل.
تفرد به البخاري من هذا الوجه.