ذكر من قال إنه عليه الصلاة والسلام حج متمتعا (تابع) فقد اقتدى ابن عمر رضي الله عنه برسول الله صلى الله عليه وسلم في التحلل عند حصر العدو والاكتفاء بطواف واحد عن الحج والعمرة.
وذلك لأنه كان قد أحرم أولا بعمرة ليكون متمتعا، فخشي أن يكون حصر فجمعهما وأدخل الحج قبل العمرة قبل الطواف فصار قارنا.
وقال: ما أرى أمرهما إلا واحدا- يعني: لا فرق بين أن يحصر الإنسان عن الحج أو العمرة أو عنهما- فلما قدم مكة اكتفى عنهما بطوافه الأول، كما صرح به في السياق الأول الذي أفردناه، وهو قوله: ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول.
قال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني أنه اكتفى عن الحج والعمرة بطواف واحد- يعني بين الصفا والمروة.
وفي هذا دلالة على أن ابن عمر روى القران.
ولهذا روى النسائي
عن محمد بن منصور، عن سفيان بن عيينة، عن أيوب بن موسى ، عن نافع: أن ابن عمر قرن الحج والعمرة فطاف طوافا واحدا.
ثم رواه النسائي
عن علي بن ميمون الرقي، عن سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أمية، وأيوب بن موسى، وأيوب السختياني، وعبيد
الله بن عمر، أربعتهم عن نافع: أن ابن عمر أتى ذا الحليفة فأهل بعمرة، فخشي أن يصد عن البيت. فذكر تمام الحديث من إدخاله الحج على العمرة وصيرورته قارنا .
والمقصود أن بعض الرواة لما سمع قول ابن عمر: إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . اعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فأدخله عليها قبل الطواف، فرواه بمعنى ما فهم.
ولم يرد ابن عمر ذلك، وإنما أراد ما ذكرناه. والله أعلم بالصواب.
ثم بتقدير أن يكون أهل بالعمرة أولا ثم أدخل عليها الحج قبل الطواف فإنه يصير قارنا لا متمتعا التمتع الخاص، فيكون فيه دلالة لمن ذهب إلى أفضلية التمتع. والله تعالى أعلم.
وأما الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه
حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا همام عن قتادة، حدثني مطرف، عن عمران، قال: تمتعنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن قال رجل برأيه ما شاء.
فقد رواه مسلم
عن محمد بن المثني، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن همام، عن قتادة به.
والمراد به المتعة التي أعم من القران والتمتع الخاص.
ويدل على ذلك ما رواه مسلم
من حديث شعبة وسعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن مطرف، عن عبد الله بن الشخير، عن عمران بن الحصين
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حج وعمرة . وذكر تمام الحديث.
وأكثر السلف يطلقون المتعة على القران، كما قال البخاري
حدثنا قتيبة، حدثنا حجاج بن محمد الأعور عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب، قال: اختلف علي وعثمان رضي الله عنهما وهما بعسفان في المتعة، فقال علي: ما تريد إلى أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فلما رأى ذلك علي بن أبي طالب أهل بهما جميعا.
ورواه البخاري
من حديث شعبة أيضا، عن الحكم بن عيينة، عن علي بن الحسين، عن مروان بن الحكم عنهما به. وقال علي: ما كنت لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس
.
ورواه مسلم
من حديث شعبة أيضا، عن قتادة عن عبد الله بن شقيق، عنهما. فقال له علي: لقد علمت إنما تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أجل، ولكنا كنا خائفين.
وأما الحديث الذي رواه مسلم
من حديث غندر، عن شعبة، وعن عبيد الله بن معاذ، عن أبيه عن شعبة، عن مسلم بن مخراق القري
سمع ابن عباس يقول: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمرة وأهل أصحابه بحج، فلم يحل رسول الله ولا من ساق الهدي من أصحابه وحل بقيتهم.
فقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده
وروح بن عبادة عن شعبة، عن مسلم القري، عن ابن عباس، قال:
أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج . وفي رواية أبي داود:
أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحج ، فمن كان منهم لم يكن له متعة هدي حل، ومن كان معه هدي لم يحل . الحديث.
فإن صححنا الروايتين جاء القران، وإن توقفنا في كل منهما وقف الدليل، وإن رجحنا رواية مسلم في صحيحه في رواية العمرة، فقد تقدم عن ابن عباس أنه روى الإفراد وهو الإحرام بالحج، فتكون هذه زيادة على الحج، فيجيء القول بالقران، لا سيما وسيأتي عن ابن عباس ما يدل على ذلك.
وروى مسلم
من حديث غندر ومعاذ بن معاذ، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس، أن رسول الله قال: هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم يكن معه هدي فليحل الحل كله، فقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة.
وروى البخاري
عن آدم بن أبي إياس، ومسلم
من حديث غندر، كلاهما عن شعبة، عن أبي جمرة، قال: تمتعت فنهاني ناس فسألت ابن عباس فأمرني بها، فرأيت في المنام كأن رجلا يقول [ لي
]: حج مبرور ومتعة
متقبلة، فأخبرت ابن عباس فقال: الله أكبر! سنة أبي القاسم صلوات الله وسلامه عليه.
والمراد بالمتعة ها هنا القران.
وقال القعيني وغيره، عن مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، أنه حدثه أنه سمع سعد ابن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية ابن أبي سفيان وهما يذكران
التمتع بالعمرة إلى الحج. فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله. فقال سعد: بئس ما قلت يابن أخي.
فقال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب كان ينهى عنها. فقال: سعد: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه
.
ورواه الترمذي والنسائي عن قتيبة، عن مالك
. وقال الترمذي: صحيح.
وقال عبد الرزاق، عن معتمر بن سليمان وعبد الله بن المبارك، كلاهما عن سليمان التيمي، حدثني غنيم بن قيس، سألت سعد بن أبي وقاص: عن التمتع بالعمرة إلى الحج قال: فعلتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يومئذ كافر في العرش- يعني مكة- ويعني به معاوية.
ورواه مسلم
من حديث شعبة وسفيان الثوري ويحيى بن سعيد ومروان الفزاري، أربعتهم عن سليمان التيمي، سمعت غنيم بن قيس، سألت سعدا عن المتعة فقال: قد فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرش
.
وفي رواية يحيى بن سعيد- يعني معاوية-
وهذا كله من باب إطلاق التمتع على ما هو أعم من التمتع الخاص وهو الإحرام بالعمرة والفراغ منها ثم الإحرام بالحج ومن القران، بل كلام سعد فيه دلالة على إطلاق التمتع على الاعتمار في أشهر الحج، وذلك أنهم اعتمروا ومعاوية بعد كافر بمكة قبل الحج، إما عمرة الحديبية أو عمرة القضاء وهو الأشبه، فأما عمرة الجعرانة فقد كان معاوية أسلم مع أبيه ليلة الفتح، وروينا أنه قصر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص في بعض عمره، وهي عمرة الجعرانة لا محالة. والله أعلم.