الإخوة الأكارم /
لايزال العبد يتأمل في نعم الله تعالى ، ويذكر فضله ، ويشكر أفضاله ، ويحمده تعالى حمد الشاكرين ... ويستغفره استغفار المذنبين المقصرين .
في كل يوم يزداد يقينك بأنك في نعم لايمكن عدها أو حصرها .
في كل لحظة تأمل ... ترى معها وفيها ... رحمة الرحيم .
في كل نظرة تأمل ... ترى معها وفيها ... قدرة القدير .
لن أطيل فمثلكم ... لايخفى عليه ... مثل هذا القول .
سأروي لكم قصة ... أشبه بالخيال ... وأقرب للمحال ... ولو حُدثت بها لأنكرتُ بعض فصولها .
قصة شاب ( معاق ) شرفني الشيخ الدكتور / يوسف الحوشان وفقه الله بزيارته معه يوم الجمعة 9/8/1430هـ ... ( يوم سلامة عبدالملك حفظه الله ) .
هذا الشاب ولد بقدم واحدة فقط .
ولد بدون يدين ( من مفصل الكتف ) .
ويمكن أن نقول بدون قدمين ... لأن إحداهما قصيرة جدا لاتجاوز نصف الفخذ ولاتكاد تراها ... أما الأخرى فهي قصيرة ، وفي آخرها القدم - على تشوه - وهي التي يعمل بها .
في تلك القدم :
يكتب ، ويضغط مفتاح اللاقط للأذان ، ويرد على الجوال ، ويوقع ، ويقلب ماتيسر من أوراق ، ويقلب صفحات اللاب توب !! ، ويقود عربيته الكهربائية .
ولد أخونا ... هكذا ... بدون أطراف ...
قامت على حاجاته ( أمه ) حفظها الله تعالى ... ( حاجاته بكل ماتعنيه كلمة "حاجاته" ) .
عمره قارب الأربعين ... كث اللحية ... يخجلك بابتسامته ... وتعجب من حمده وشكره وذكره وثناءه على الله تعالى واستغفاره .
زرناه في مدينته ... فاستقبلنا ... بكرسيه المتحرك ... ومعه ولده البكر وعمره ( 8 ) سنوات .
رحب بنا أجمل حفاوة ... وأكرمنا أفضل تكريم .
أدخلنا في منزله ... وبعد أن أدخلنا تذكرنا همُّ ( ملتقى أهل الحديث ) ... وشجعني الشيخ يوسف وفقه الله على نقل هذه الصورة الحية عبر صفحات هذا الملتقى ... ولعلنا أن نتعظ !!.
القصة :
ولد أخونا وفقه الله تعالى على تلك الهيئة ... بدون أطراف عليا ... وتشوه في أطرافه السفلى .
توفي والده وعمره ( 7 ) سنوات .
قامت أمه على حاجاته ... وقام خاله على حاجات منزلهم .
بعد أن جاوز ال ( 25 ) رغب في الزواج .
ساوره الشك في عدم قبول الناس له ... فلجأ إلى الله تعالى ... ثم إلى سماحة الشيخ الإمام / عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى ...
هاتفه بعد الفجر ... وذكر له حالته ... وأنه يرغب الزواج ...
نصحه الشيخ رحمه الله ، وصبره ، وذكره ... ثم قال : خذ هذا الرقم للشيخ / فهد ... وستجد عنده مرادك بإذن الله .
بعد اتصالات متكررة على الشيخ / فهد ... أمكنه الحصول عليه ... ثم ذكر أن سماحة الشيخ أرسله إليه ... وذكر له حالته .
فوعده الشيخ / فهد خيرا ... ثم قال اتصل بعد أسبوع ... ثم بعد أسبوعين ... ثم بعد شهر ... إلخ .
وبعد ستة أشهر قال الشيخ / فهد له : حقيقة ... لم أجد من قبلت ..
قبل صاحبنا ما قدره الله تعالى ... وحمد وشكر الله تعالى على قضائه وقدره .
ثم عاد إلى سماحة الشيخ رحمه الله ... فأعطاه رقما آخر لشيخ ( نسيت اسمه ) ... فاتصل عليه ... وأخبره أن سماحة الشيخ أرسله .
قال الشيخ : أنا لن أعدك بشيء ... لكن خذ هذه الأرقام ... واجعل والدتك أو أختك ... تتصل عليهم ... وخذ منهم مباشرة ... القبول أو الرد .
فأخذنا الأرقام ... ثم اتصلنا ... واتصلنا ... واتصلنا ... واتصلنا ... وكانت النتائج ... كما توقعنا .
ثم عدت إليه ... فأعطاني قائمة أخرى ... وكانت كسابقتها ... اتصالات ... واتصالات ... لكن دون قبول .
ثم عدت إليه ... فأعطاني قائمة أخرى ... وكانت كسابقتها ...
ثم عدت إليه ... فأعطاني قائمة رابعة ... ثم قائمة خامسة ... ثم قائمة سادسة ... وهكذا .
ثم عدت إليه ... فقال : لقد أعطيتك كل ماعندي ... حتى الأرقام الجديدة ... ولم يبق عندي ما يمكن أن أعطيك إياه .
قال : وكان مجموع الأرقام مع المحاولات الجادة في الخطبة ... قاربت الـ ( 6000 ) ستة الآف بيت !!؟.
ثم عزمت على الزواج من الخارج ... فجاء إليّ رجل ونصحني بأن آخذ من بنجلادش أو من سيرلانكا أو من الهند !!؟ ... وحذرني من دولتين .
فقلت : بما أنك حذرتني من تلك الدولتين ... فسأذهب إلى أولهما تحذيرا .
ثم قال : وأبشركم أني مادعوت الله تعالى ورجوته ... إلا تحقق لي ما دعوته ورجوته به ... والحمد لله .
فذهبت إلى الوزارة المختصة ... وحصلت على الموافقة ... للزواج من الخارج .
سافر مع أحد أقربائه ... وبدأت رحلة البحث عن زوجة .
زاروا القرى والأرياف والمحافظات ( المحافظة ) ...
ومن بيت إلى بيت ... ومن حي إلى حي ... ومن قرية إلى أخرى ... وهكذا .
وكان مجموع البيوت التي تم طرقها ( 349 ) بيت ... كلهم لم يتم الوفاق بينهما .
وفي البيت الـ ( 350 ) دخل عليهم بعربيته ... مع القائم بأعمال تلك القرية ...
فدخل والد البنت ... وكان أعمى البصر ... حي البصيرة .
وقف أمامه ... ثم تلمس جسده ... وتأمل حاله ... وسأله بعض الأسئلة في دينه وأحواله ... ثم قال : " إن كنت بنتي تريد الجنة ... فلتتزوج هذا الرجل " .
ثم دخلت البنت على صاحبنا ... لترى بنفسها ... من تقدم لها ... ثم أخبرها بحاله ... ووضعه ... وأن لديه مالدى الرجال ... إلا أن أطرافه كما ترى .
ألمحت البنت إلى أنها موافقة .
أعاد عليها ... وقال : ستقومين بما تقوم به والدتي الآن ... ثم بين لها ...
فألمحت - مرة أخرى - بالموافقة .
فأعاد عليها ... أنها إن كانت مكرهة ... أو أن هناك من ألزمها ... فلتخبره ... قبل أن يكون شيء .
فألمحت إليه مرة ثالثة بالموافقة .
فقال لها : أنا سأعود إلى بلدي ... ويمكنك أن تفكري في هذا الأمر ... بجدية أكثر ... وبتأمل أتم .
وبعد أيام اتصلت عليه ... وأخبرته أن موظفا سليما معافى قد تقدم لها ... وأخبره والدها بأن شابا قد تقدم ولم يرد ... ولايجوز خطبة الرجل على خطبة أخيه ...
ثم قالت : ونحن ننتظرك ... ولانريد إلا أنت ... فليتك تعجل بالعودة ... ليتم الزواج .
يقول : وبعد أيام حجزنا إلى تلك المنطقة ... فتقدمت ... وتملكت عليها ... وتم الزواج ولله الحمد .
هذه الزوجة لم تكن كبيرة أو عانسا أو مطلقة ... بل كان عمرها ( 15 ) سنة .
تقول له : من حين دخلت في منزلنا ... وأمورنا قد تغيرت ... لذلك لم نرغب إلا بك .
رزق منها بـ ( 5 ) من الأولاد ... ولدين ... وثلاث بنات .
هم عنده كأجمل ما أنت راءٍ ... يتقلب الصغار عنده ... في مشهد مؤثر مبكي .
أحدهما يصعد على عربيته ليأنس بالاقتراب منه ... فيكون بينه وبين متكئ العربية ...
والآخر يعطيه الأكل ... ثم يسقيه القهوة ... ثم يسقيه الشاي ... مع ابتسامة فرح واستبشار .
يلاعبهم ... ويؤنسهم ... ويعلمهم ... ويربيهم ... مع أدب جم ... وخلق حسن .
يسكن في بيت مسجد ... يتولى مأذنته ... رزق بسيارة كبيرة له ولأولاده ... يعمل بجد على إكمال الدراسة الجامعية عن بعد ...
مواقفه عجيبة ... جعلتنا نحتقر أنفسنا ... ونرثي لحالنا ... ونسأل الله أن يرحم حالنا .
نعمٌ ... أنعم الله بها علينا ... فعصيناه بها ...
نعمٌ ... أنعم الله بها علينا ... فما أدينا شكرها ...
نعمٌ ... أنعم الله بها علينا ... فلم نكلف أنفسنا أن نقوم على من حُرمها .
ما أحلم الله ؟!!.
أسأل الله أن ييسر الأمور .
نقلاً عن الشيخ/المسيـــــــــــــــــطير "ملتقى أهل الحديث"