عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق : وكان عبد المطلب من سادات قريش ، محافظا على العهود . متخلقا بمكارم الأخلاق . يحب المساكين ، ويقوم في خدمة - ص 60 - الحجيج ، ويطعم في الأزمات . ويقمع الظالمين . وكان يطعم حتى الوحوش والطير في رءوس الجبال . وكان له أولاد أكبرهم الحارث ، توفي في حياة أبيه . وأسلم من أولاد الحارث عبيدة - قتل ببدر - وربيعة ، وأبو سفيان ، وعبد الله .
ومنهم : الزبير بن عبد المطلب شقيق عبد الله . وكان رئيس بني هاشم وبني المطلب في حرب الفجار ، شريفا شاعرا . ولم يدرك الإسلام . وأسلم من أولاده : عبد الله ، واستشهد بأجنادين ، وضباعة ، ومجل ، وصفية ، وعاتكة .
وأسلم منهم حمزة بن عبد المطلب ، والعباس .
ومنهم : أبو لهب مات عقيب بدر . وله من الولد : عتيبة الذي دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقتله السبع . وله عتبة ، ومعتب . أسلما يوم الفتح . ومن بناته : أروى . تزوجها كرز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس ، فولدت له عامرا وأروى . فتزوج أروى عفان بن أبي العاص بن أمية . فولدت له عثمان ، ثم خلف عليها عقبة بن أبي معيط ، فولدت له الوليد بن عقبة ، وعاشت إلى خلافة ابنها عثمان .
ومنهن : برة بنت عبد المطلب ، أم أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي .
ومنهن : عاتكة أم عبد الله بن أبي أمية . وهي صاحبة المنام قبل يوم بدر . واختلف في إسلامها .
ومنهن : صفية أم الزبير بن العوام . أسلمت وهاجرت .
وأروى أم آل جحش : عبد الله ، وأبي أحمد ، وعبيد الله ، وزينب ، وحمنة .
- ص 61 - وأم عبد المطلب : هي سلمى بنت زيد من بني النجار ، تزوجها أبوه هاشم بن عبد مناف . فخرج إلى الشام - وهي عند أهلها ، وقد حملت بعبد المطلب - فمات بغزة . فرجع أبو رهم بن عبد العزى وأصحابه إلى المدينة بتركته . وولدت امرأته سلمى : عبد المطلب . وسمته شيبة الحمد . فأقام في أخواله مكرما . فبينما هو يناضل الصبيان ، فيقول : أنا ابن هاشم ، سمعه رجل من قريش ، فقال لعمه المطلب : إني مررت بدور بني قيلة . فرأيت غلاما يعتزي إلى أخيك . وما ينبغي ترك مثله في الغربة . فرحل إلى المدينة في طلبه . فلما رآه فاضت عيناه ، وضمه إليه . وأنشد شعرا :
عرفت شيبة والنجار قد جعلت | | أبناءهــا حولــه بـالنبل تنتضـل |
عــرفت إجــلاده فينـا وشـيمته | | ففـاض منـي عليـه وابل هطل |
|
فأردفه على راحلته ، فقال : يا عم ، ذلك إلى الوالدة . فجاء إلى أمه . فسألها أن ترسل به معه ، فامتنعت . فقال لها : إنما يمضي إلى ملك أبيه ، وإلى حرم الله . فأذنت له . فقدم به مكة ، فقال الناس : هذا عبد المطلب . فقال : ويحكم إنما هو ابن أخي هاشم .
فأقام عنده حتى ترعرع . فسلم إليه ملك هاشم : من أمر البيت ، والرفادة ، والسقاية ، وأمر الحجيج ، وغير ذلك .
وكان المطلب شريفا مطاعا جوادا ، وكانت قريش تسميه الفياض لسخائه . وهو الذي عقد الحلف بين قريش وبين النجاشي . وله من الولد : الحارث ، ومخرمة ، وعباد ، وأنيس ، وأبو عمر ، وأبو رهم ، وغيرهم .
- ص 62 - ولما مات وثب نوفل بن عبد مناف على أركاح
الركح - بضم الراء المهملة وسكون الكاف - المراد به هنا الفضاء بين البيوت . شيبة . فغصبه إياها ، فسأل رجالا من قريش النصرة على عمه . فقالوا : لا ندخل بينك وبين عمك . فكتب إلى أخواله من بني النجار أبياتا ، منها :
يــا طــول ليلــي لأحـزاني وأشـغالي | | هـل مـن رسـول إلـى النجار أخوالي؟ |
بنــــــي عـــــدي ودينـــــار ومازنهـــــا | | ومــالك عصمــة الحــيران عـن حـالي |
قد كنت فيهم وما أخشى ظلامة ذي | | ظلــــم عزيـــزا منيعـــا نـــاعم البـــال |
حـتى ارتحـلت إلـى قومي , وأزعجني | | لــــذاك مطلــــب عمــــي بترحــــالي |
فغـــاب مطلـــب فـــي قعـــر مظلمــة | | ثــم انــبرى نــوفل يعـدو علـى مـالي |
لمــــا رأى رجــــلا غــــابت عمومتـــه | | وغـــــاب أخوالـــــه عنــــه بلا والــــي |
فاسـتنفروا وامنعـوا ضيـم ابـن أختكم | | لا تخـــــذلوه فمــــا أنتــــم بخــــذالي |
|
- ص 63 - فلما وقف خاله أبو سعد بن عدي بن النجار على كتابه بكى . وسار من المدينة في ثمانين راكبا ، حتى قدم مكة . فنزل بالأبطح فتلقاه عبد المطلب وقال : المنزل يا خال . فقال : لا والله حتى ألقى نوفلا . فقال : تركته بالحجر جالسا في مشايخ قومه . فأقبل أبو سعد حتى وقف عليهم . فقام نوفل قائما ، فقال : يا أبا سعد ، أنعم صباحا . فقال : لا أنعم الله لك صباحا ، وسل سيفه . وقال : ورب هذا البيت ، لئن لم ترد على ابن أختي أركاحه لأمكنن منك هذا السيف . فقال : رددتها عليه . فأشهد عليه مشايخ قريش . ثم نزل على شيبة ، فأقام عنده ثلاثا . ثم اعتمر ورجع إلى المدينة . فقال عبد المطلب :
ويــأبى مــازن وأبـو عـدي | | ودينار بن تيم الله ضيمي |
|
بهــم رد الإلــه علــي ركحــي | | وكانوا في انتساب دون قومي |
|
فلما جرى ذلك حالف نوفل بني عبد شمس بن عبد مناف على بني هاشم ، وحالفت بنو هاشم : خزاعة على بني عبد شمس ونوفل . فكان ذلك سببا لفتح مكة . كما سيأتي .
فلما رأت خزاعة نصر بني النجار لعبد المطلب ، قالوا : نحن ولدناه كما ولدتموه ، فنحن أحق بنصره . وذلك أن أم عبد مناف منهم . فدخلوا دار الندوة وتحالفوا وكتبوا بينهم كتابا .